واشنطن بوست: الأسد يُفرغ سجن صيدنايا بالإعدامات الجماعية

الاثنين 24 ديسمبر 2018 05:12 ص

بينما تعزز الحكومة السورية سيطرتها بعد سنوات من الحرب الأهلية، تضاعف قوات الرئيس "بشار الأسد" عمليات إعدام المتعلقين السياسيين، وسط تسريع للقضاة العسكريين لوتيرة إصدار أحكام بالإعدام، حسبما أفاد ناجون من السجن ذوي السمعة الأسوأ في البلاد.

وفي مقابلات، مع أكثر من 20 سوريا تم إطلاق سراحهم مؤخرا، من سجن صيدنايا العسكري، في دمشق، وصفوا تفاصيل حملة حكومية لإخلاء السجن من المعتقلين السياسيين.

وقال السجناء السابقون، إنه يتم نقل السجناء من مقرات الاحتجاز المنتشرة بأنحاء سوريا، للالتحاق بصفوف المعتقلين الذين ينتظرون تنفيذ عقوبة الإعدام بحقهم، في الطابق السفلي بسجن صيدنايا، ثم يتم تنفيذ الإعدام قبيل الفجر عن طريق الشنق حتى الموت.

وعلى الرغم من حالات النقل هذه، فإن عدد المعتقلين في زنازين صيدنايا التي كانت متخمة فيما سبق، والتي ضمت في أوجها أعدادا تقدر ما بين 10,000 حتى 20,000 سجين، انخفضت بشكل كبير بسبب الإعدامات المتتابعة، وهناك قسم واحد على الأقل من السجن قد أصبح فارغاً بالكامل تقريباً، حسبما قال المعتقلون السابقون.

 بعض السجناء السابقين، كانوا هم أنفسهم محكوما عليهم بالإعدام، ولم يهربوا من هذا المصير ، إلا بعد دفع أقاربهم عشرات الآلاف من الدولارات لتأمين حريتهم، ووصف آخرون ما سمعوه من محادثات دارت بين الحراس المنوط بهم نقل السجناء لكي يتم إعدامهم.

وتحدث الرجال لصحيفة" واشنطن بوست" شريطة عدم كشف أسمائهم الكاملة خوفا على سلامة عائلاتهم.

ووفقاً لاثنين من المعتقلين السابقين مرّا على المحكمة الميدانية في دمشق التي تقع داخل مقرات الشرطة العسكرية في العاصمة، فإن معدل أحكام الإعدام قد تسارع خلال العام الماضي مع ثبات مواقف مسؤولي المحكمة.

ومَثُلَ كل من هذين الرجلين مرتين أمام قاضي محكمة ميدانية عسكرية، مرة في بداية الاحتجاجات بسوريا ومرة خلال العام 2018، واستطاعا مقارنة عمل هذه المحكمة السرية.

وقال أحدهما: "لم يكن هناك مجال للتساهل في زيارتي الثانية. تقريباً تم الحكم على جميع من في الغرفة بالإعدام، كانوا يقومون بقراءة الأحكام بصوت عالٍ".

تعذيب المعتقلين

حتى قبل بلوغ المشانق، يموت العديد من السجناء من سوء التغذية، والإهمال الطبي أو التعذيب الجسدي، وغالباً ما يكون ذلك بعد انهيارهم نفسياً، وفقاً لقول المعتقلين السابقين.

وقال أحدهم إن الحراس أقحموا أنبوباً معدنياً في حلق أحد رفاقه في الزنزانة والذي كان من مدينة داريا في إحدى ضواحي دمشق.

وقال المعتقل "أبوحسين" (30 عاماً) الميكانيكي من محافظة حمص الغربية: "علقوه بالحائط باستخدام الأنبوب وتركوه ليموت. بقيت جثته بيننا طول الليل".

ووصف معتقل آخر كيف تم إجبار السجناء في زنزانته على ركلِ رجل من محافظة درعا الجنوبية حتى الموت.

وقالت "واشنطن بوست" إن صوراً التقطت من خلال أقمار اصطناعية لسجن صيدنايا في شهر مارس/آذار 2018، أظهرت تجمع عشرات الأجسام المظلمة التي يقول الخبراء إنها تتوافق مع شكل الأجسام البشرية.

ووفقاً للصحيفة فإنها عثرت على الصور وطلبت من خبراء جنائيين مراجعتها، ونقلت عن "إسحاق بكر"، مدير تحليل الصور في برنامج الإشارة حول تكنولوجيا وأمن الإنسان من مبادرة هارفرد الإنسانية، قوله: "ما تحويه الصور من تاريخ الأول من آذار والرابع من آذار في السجن، هناك أجسام ممددة مظلمة، تشبه بعضها البعض، يصل طولها إلى حوالي 5 أو 6 أقدام. في حين أن التحليلات والمعطيات المتوافرة لا تقدم دليلاً، إلا أنها تصدق وتوافق شهادات العيان حول الإعدامات الجماعية في المنشأة (سجن صيدنايا)".

 كذلك تحدث معتقلان تم احتجازهما في زنازين قريبة لغرفة الحراس في جناحهم من السجن، عن سماعهم محادثات بين سجانيهم متعلقة بالإعدامات في بداية مارس/آذار الماضي، وقال أحدهما: "كانوا يتحدثون عن مجموعة من جثث السجناء التي تم نقلها إلى الساحة".

كما تظهر صور أخرى من الأقمار الصناعية التقطت للأرض العسكرية القريبة من دمشق، والتي عرفتها منظمة العفو الدولية سابقاً بموقع للمقابر الجماعية، تزايد عدد حفر المقابر وشواهد القبور في واحدة على الأقل من المقابر الموجودة هناك منذ بداية العام، فيما قال منشقون عملوا في السجن العسكري، إن تلك المنطقة التي تقع جنوب العاصمة، هي الموقع المرجح للمقابر الجماعية لسجناء صيدنايا.

وفي المقبرة على الطريق المار جنوبي دمشق، ظهرت عشرات القبور الجديدة والشواهد منذ بداية فصل الشتاء، ما يؤشر إلى احتمال أن تكون عائدة لمعتقلين توفوا في سجون نظام "الأسد".

رعب تام

وبعد 7 أعوام من اندلاع الاحتجاجات في سوريا، ما يزال أكثر من 100,000 سوري في عداد المختفين، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان، كما يُرجح أن الآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف في عداد الموتى.

وعلى الرغم من قيام جميع الأطراف في سوريا باعتقال وإخفاء وقتل السجناء، لكن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تُقدر احتجاز 90% منهم في سجون نظام "الأسد" المنتشرة في المناطق التي يسيطر عليها، حيث يتم استخدام التعذيب والتجويع، وأساليب أخرى من الإهمال المميت بشكل ممنهج، وكذلك يستخدم القتل.

ووفقاً لشهادات السجناء السابقين، فإن السجانين في صيدنايا، فرضوا الصمت الكلي تقريباً بين السجناء الذين كانوا ينامون تحت أغطية موبوءة بالعث والقراد على أرضيات حجرية دبقة بسبب سوائل الجسد.

وقال "محمد" (28 عاماً): "حينما تكون في صيدنايا، لا يمكنك التفكير بشيء، لا يمكنك حتى التحدث مع نفسك. الضرب تعذيب. الصمت تعذيب"، ووصف حال رفاقه بالزنزانة الذين خلفهم وراءه بأنهم مثل "الحيوانات المحتجزة"، وقال أيضاً إن بعضهم "تحطمت معنوياتهم كلياً، وآخرون جنوا تماماً أو أصبحوا مختلين، الموت رحمة لهم، إنه كل ما كان ينتظرونه".

وعلى الرغم من تنوع أيام الإعدام، لكن سجناء صيدنايا السابقين يقولون إن الحراس عادة ما يتجولون بين الزنازين عصر أيام الثلاثاء، منادين على أسماء من لوائح لديهم.

وقال سجين سابق: "تعلم أنهم قادمون حينما يقرعون على الأبواب المعدنية ويبدأون بالصراخ علينا لنستدير، يتجه الجميع للحائط ويقفون بأكبر قدر من الثبات، ثم تقف فقط وتدعو ألا يقوموا بسحبك".

وهذا تماماً ما فعلوه مع المعتقل "محمد"، مع رفعهم لقميصه فوق رأسه تم سحبه من زنزانته وأخذِه إلى طابور الإعدام في القبو، ومع تعرضه للضرب وهو يتعثر نازلاً الدرج، يذكر أن صرخات الآخرين كانت تحيط به.

وتم دفعه مع سجناء آخرين إلى زنزانة مزدحمة، وجُرّد من ملابسه قبل مغادرة الحراس الذين أغلقوا الباب المعدني وراءهم، وهناك تُرك السجناء لأسبوع.

وتم دفع المزيد من السجناء حتى إلى الزنزانة المجاورة، وكان بينهم "حسن" (29 عاماً)، وهو مزارع تم تحويله إلى صيدنايا من سجن مدني في محافظة السويداء الجنوبية، وظل المعتقلون ينتظرون الموت طيلة الليل، بينما تحدث الرجال بأصوات هامسة مشاركين قصص حياتهم وكل ما ندموا عليه أيضاً.

وقال "حسن" واصفاً تلك اللحظات المرعبة: "كان المكان مظلماً، لكن ما تمكنت من رؤيته في وجوههم كان رعباً صرفاً، في النهاية توقف الجميع عن الكلام".

الأموال طوق نجاة

ومع هذا حينما أتى الحراس لأخذ السجناء، لم تتم دعوة لا "محمد" ولا "حسن"، وعلما لاحقاً أن عائلاتهما دفعت عشرات الآلاف من الدولارات لوسيط على صلة بالحكومة (جزء من شبكة انتشرت خلال الحرب لتأمين أخبار الأقرباء المحتجزين للعائلات وفي بعض الأوقات للمساعدة على إطلاق سراحهم مقابل مبالغ كبيرة من المال).

وهذه الشهادات التي تؤكد زيادة أحكام الإعدام، تأتي بينما تتم مناقشة ملف المعتقلين السوريين في المحادثات التي تقودها روسيا، وتركيا وإيران، لكن بموازاة ذلك، تُصدر حكومة الأسد قرارات بإعدام السجناء السياسيين بمعدلات غير مسبوقة، بحسب "واشنطن بوست".

وبدأ ارتفاع تلك المعدلات في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وفي تقرير تم إصداره الشهر الفائت، قالت هيئة للأمم المتحدة تم إنشاؤها للتحقيق في جرائم الحرب في سوريا: "إن الإصدار الجماعي لإشعارات الموت يعد اعترافاً من الحكومة بمسؤوليتها عن موت السجناء الذين أنكرت احتجازهم لأعوام".

وقال "هاني ميغالي"، المحقق الرئيسي مع لجنة التحقيق الأممية في سوريا: "نعتقد أن ذلك ولابد متصل، كما هو واضح، مع بدء الحكومة بالتطلع قدماً لما بعد الصراع، وكأنها تقول (لم يعد وجودنا مهدداً كلياً وعلينا التطلع قدماً لكيفية التعامل مع الشعب ككل)، يطالب الناس الآن بالمزيد من المعلومات حول ما حصل؟ لم؟ أين الجثث؟".

محاكمات مدتها دقائق!

وخلال المقابلات، قدم السجناء السابقون منفذاً نادراً للتعرف على طريقة عمل المحكمة الميدانية العسكرية، حيث يمثل المتهمون دون محامين للدفاع وغالباً ما تكون وثائق الاتهام نتاجاً للتعذيب، ويصل المعتقلون مقيدين ومعصوبي الأعين، ونادراً ما تستمر محاكماتهم أكثر من 3 دقائق.

وفي بعض الحالات، كانت الإعدامات الأخيرة في صيدنايا مبنية على أحكام أطلقت قبل أعوام، وما تغيّر - حسبما قال المعتقلون السابقون - هو سرعة إطلاق الأحكام الجديدة للإعدام.

وما أن يتم تنفيذ الأحكام ويُشنق السجناء، يتم نقل جثثهم مباشرة من غرفة الإعدام إلى شاحنة تنتظر جثامينهم، ومن ثم يتم نقل الجثث للتسجيل في مشفى عسكري قبل أن يتم دفنها في المقابر الجماعية على الأرض العسكرية، وفقاً لمنظمة العفو الدولية.

وكان "محمد" و"حسن" من ضمن من تفادوا ذلك المصير، وبعد أعوام مما وصفاه بالتعذيب والإهمال الشديد، الذي خلف ندباً ومشاكل صحية عديدة لديهما، تمكنا من عبور الحدود إلى تركيا بداية هذا العام.

ومع عبور "حسن" من الأراضي التي تسيطر عليها قوات "الأسد" إلى آخر معاقل قوات المعارضة قرب الحدود التركية، دخل المهربون الذين يقودونه مع آخرين عند الحدود خطأً إلى حقل للألغام، وانفجر أحد الألغام في قدمه، وهو ما زال يصرخ في نومه.

وقال "حسن": "لا يمكن لذكريات صيدنايا أن تنسى بسهولة، أغلب رفاقي في الزنزانة موتى الآن، دائماً ما أفكر بمن بقي هناك".

  كلمات مفتاحية

سوريا بشار الأسد سجن صيدنايا إعدام جماعي تفريغ السجون محاكمات عسكرية

جيوبوليتيكال فيوتشرز: الانسحاب الأمريكي من سوريا يعكس نفوذ تركيا

حقوقيون: النظام السوري يسرع الإعدامات في سجن صيدنايا

سجن صيدنايا.. ثقب أسود ومسلخ بشري للمعارضين في سوريا